القاعدة العامة في معاملة المتهاون بالصلاة والمستتر بزندقته وكفره
أما من كان يصلي أحياناً ويترك أحياناً فحكمه حكم المنافق، والمنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان هذا حالهم، كانوا يصلون أحياناً ويتركون أحياناً، ويحافظون على بعض الفرائض دون بعض، فهم ما بين ضعفاء الإيمان إلى رءوس الكفر، وكلهم كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يعاملون معاملة المسلمين في الأحكام الظاهرة، فلا حاجة لأحد إلى أن يقول: ما علمنا أن مقابر خصصت لتاركي الصلاة؛ لأنا نقول: إذا قتل تارك الصلاة على الحالة التي ذكرها شيخ الإسلام -أي: مصراً على ألا يصلي-؛ فإنه يقتل مرتداً، فهذا لا يدفن في مقابر المسلمين ولا يورث وتنبني عليه كل الأحكام المعروفة، ولكننا نتكلم عمن كان مثل هؤلاء يصلي أحياناً ويدع أحياناً، فهذا وسائر المنافقين الذين يقولون: نحن مسلمون، ونحن محافظون، وهذه المقالات التي ننشرها لا نقصد بها الكفر والإلحاد، ونحن مخطئون، وإنما أردنا كذا. ويعتذرون كما كان يعتذر المنافقون في أيام النبي صلى الله عليه وسلم؛ نعاملهم بالظاهر ونكلهم إلى ربهم تعالى، فالأصل في هؤلاء جميعاً أن نعاملهم معاملة المسلمين، ولهذا قد يكون كثير ممن نعاملهم في الظاهر معاملة المسلمين كفرة عند الله في الباطن، لكن ما أمرنا أن نشق عن قلوب الناس، فمن استتر ببدعته أو زندقته أو كفره وقال: أنا من أهل السنة وأنا من المسلمين؛ قبلنا منه ذلك وألزمناه به في الظاهر، وحقيقته وسريرته إلى الله تعالى، ولهذا لا يجب على كل أحد إن علم أن أحداً من الناس منافق أو زنديق أو ملحد ولم يره مُعلِناً بهذا أن يفضحه أمام الناس كما قد يظن بعض الناس، فليسعنا ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم وما وسع صحابته من بعده من إقرارهم الناس على الظاهر، فإذا أظهروا شيئاً مخالفاً أخذوا به، فلو رأيت الناس يذهبون بجنازة رجل إلى المسجد وأنت تعلم أنه لا يصلي فإنه لا يجب عليك في هذه الحالة أن تقف في المسجد وتقول: لا تصلوا عليه ولا تدفنوه في مقابر المسلمين، والدليل على ذلك ثابت في الصحيح من خبر حذيفة رضي الله عنه الذي أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنافقين بأعيانهم، فكان يعرفهم بأعيانهم، أما سائر الصحابة فكانوا لا يعرفونهم بأعيانهم، حتى [ جاءه عمر رضي الله عنه فقال: يا حذيفة ! بالله أنا من المنافقين؟ فقال: لا. ولا أقولها لأحد من بعدك. فكان عمر رضي الله عنه ينظر: فإن رأى حذيفة صلى على الرجل صلى عليه وإلا لم يصل ]. فهذا دليل على أن نتركهم ليصلي عليهم من صلى أو يستغفر لهم من استغفر ما دام أنهم لم يعلنوا الكفر، وليس ذلك لكل أحد؛ لأن بعض الناس تقتضي المصلحة الشرعية الإفصاح عن حاله نصحاً للمسلمين، فلا بد من بيان الحق، ولكن المقصود أنه يسعنا في مثل هذه القضايا ما وسع الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وهذا أمر سنتحدث عنه -إن شاء الله- بالتفصيل في موضوع الإيمان. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.